شهادة المواطنة نبيلة نبيل جميل مقداد (39 عاما) غزة

منذ بداية العدوان على قطاع غزة، حيث أنني كنت أسكن برفقة زوجي الذي يعمل موظف في السلطة الفلسطينية وبرفقة أطفالي بمنطقة المخابرات غرب مدينة غزة، ولقد تم قصف العديد من الأهداف أكثر من مرة في محيط منزلنا مما كان يولد أصوات انفجارات قوية وضخمة، ومن دافع خوفي على حياة أولادي وزوجي قررنا المغادرة لمنطقة ممكن أن نشعر أنها أكثر أأمنا من منطقة المخابرات، علما بأنه لا يوجد مكان أمن في غزة، فتوجهنا إلى عيادة الرمال ( السويدي) بشارع النصر بالقرب من مدارس الأونروا، ومكثنا لمدة شهر كامل داخل أسوار المكان حيث أننا كنا نعيش أوضاع معيشية غاية في صعوبة فكنا ننام في ممرات العيادة يغطيها النايلون وبعض الشادر لتسترنا في الليل والنهار، وكنا نعاني ومن أجل توفير مياه صالحة للشرب عن طريق تعبئة جالون أصفر يذهب زوجي أو اولادي لتعبئته من خارج أسوار العيادة حيث كانوا يمشون على اقدام مسافة ليست قريبة، ولم نتلقى على مدار الشهر أي مساعدات أو طعام وشرب سواء عن طريق الأونروا أو أي مؤسسات أخرى، لنسد به جوعنا علما بأن موظفين السلطة لم يتلقوا أي راتب في تلك الفترة، حيث كنت أعتمد على أختي وبعض الأقارب من أجل توفير الطعام لاعاشة زوجي وأطفالي، وفي منتصف شهر نوفمبر اضطررنا للتفكير لمغادرة المكان، لوصول الدبابات إلى جي وشوارع النصر علما بأنها وصلت إلى مستشفى النصر للأطفال وقامت باقتحامه ووصلت إلى الى شارع حميد القريب جدا من مكان تواجدنا، وكان صوت القصف والرشاشات قوية جدا ونسمعها بشكل فظيع والوضع جدا سئ ومخيف، بالاضافة الى القاء بعض فوانيس الانارة ليلا وسقوط فانوس على شجرة داخل العيادة أدى الى نشوب حريق ووقاموا الأهالي باطفاء الحريق، وفي صباح اليوم التالي توجهنا على الفور إلى منزل أهلي الكائن بمنطقة الجلاءمفترق عبد العال من منتصف شهر نوفمير لغاية اليوم الثاني من شهر ديسمبر وكنا في المنزل أنا وزوجي واولادي واهلي وأختي المتزوجة وأخوتي وحماتي وحماتي، وفي حدود الساعة السادسة من صباح يوم 2/12/2023 اضطررنا الى ترك المنزل بعد وصول الدبابات إلى منتصف شارع الجلاء وقامت بقصف الطابق الثالث من المنزل بقذيفة مدفعية مما أحداث ضررا داخل الشقة دون وقوع اصابات، فغادرنا على الفور متوجهين إلى مدرسة عمرو بن العاص بشارع الجلاء مشياء على الأقدام دون وجود أي وسيلة نقل، بينما عاد أخي وابنه وأبناء شقيقي الاثنين إلى المنزل لاحضار بعض الفراش والأغطية، قامت طائرة بدون طيار باطلاق صاروخ باتجاههم مما أدى لاستشهادهم على الفور، وهم:

1_ ايهاب نبيل أبو ريالة ( 47)

2_ محمد ايهاب أبو ريالة (25)

3_ مهند زاهر أبو ريالة ( 27)

4_ خليل زاهر أبو ريالة (25)

وقد مكثنا في مدرسة عمرو بن العاص لمدة عشرون يوما تقريبا من تاريخ 4/12/2023 لغاية تاريخ 24/12/2023 حين تم اعتقالي من داخل المدرسة، حيث أنه بتاريخ 24/12/2023 قد سمعنا أصوات انفاجارات قوية وسمعنا أصوات الدبابات تتجه ألينا وسمعنا صوت الرشاشات وهي تطلق على منازل محيطة بالمدرسة، وصوت تكسير للأبواب فاختبأ جميع النازحون داخل الصفوف في المدرسة، ووعند الساعة 10:00 صباحا اقتحم جيش الاحتلال المدرسة ونادى عبر مكبرات الصوت وطلب من الجميع الخروج إلى ساحة المدرسة، وقاموا بتقسيمنا لقسمين قسم للرجال وقسم للنساء، فقاموا بتعرية جميع الرجال وتركهم فقط بالملابس الداخلية وتم تجميعهم بطوابير وكانوا يخرجونهم دفعات دفعات كل دفعة عبارة عن 5 راجال ويخرجوهم عاريين إلى ساحة مسجد التقوى المجاورة للمدرسة، وقد قام بالحقنا نحن النساء والأطفال بالخروج إلى ساحة مسجد التقوى عبر طوابير، وعند وصولنا الى ساحة المسجد نادى عليا جندي وقال لي انتي الي لابسة بني صفي على جنب بجوار باب المسجد، كنا حوالي سبعة سيدات وطلبوا هوياتنا وبعد التدقيق بهم، طلب الضابط من مجندة تفتيشي بجوار المسجد بمكان معزول عبر شوادر، فقامت المجندة بتفتيشي بشكل كامل وخلعت ملابسي بالكامل دون أي شئ، وقد صحبيتني إلى الضابط في ساحة مسجد التقوى، فسألني شو سمعتي عن 7 أكتوبر.؟ فرحتي بهذا اليوم.؟ أكلتي حلو .؟ وصار يحكيلي حماس قتلتنا ودخل علينا، فقلت له احنا ناس عاديين أنا مسالمة ولا أعمل بحماس ولا لي صلة بهم أو لي اقارب على صلة بهم، وكانت كل أسألته عن عناصر بحماس واماكن تواجدهم واماكن الأسرى وانا فعليا لا أملك اجابات لاني لا أعرف شيئا عنهم، ولعدم اجابتي عن أسألته أمر باعتقالي على الفور، فقامت مجندة بتعصيب عيناي وربط أيدي بمربط بلاستيكي وكان مربوطتين إلى امام جسمي، قاموا بوضعي داخل مركبة عسكرية ( جيب عسكري) برفقة ستة معتقلات وقاموا بنقلنا إلى منطقة زيكيم وكنت أشاهد الطريق لأنني كنت افك طرف العصبة على عيناي وكانت تمشي بخلفنا دبابة عسكرية وعليها رشاش موجه علينا، فأنزلونا بمنطقة زيكيم داخل منطقة لا اعرف شيئا عنها وأجلوسنا على حصمة ( زلط) لمدة ساعتين وقامن مجندة بتعصيب عيناي بشكل محكم وربط يداي بمربط بلاستيكي خلف ظهري، وقاموا بنقلنا من المكان وأثناء الطريق كانوا يرضبوننا على رؤوسنا وايدينا وكانوا يشتموننا بألفاظ سيئة بأننا ( عاهرات حماس، شرموطات حماس) ووصلنا لمكان لا اعرف عنه شئا وهو بجوار معتقل عاناتوش بالقرب من جبال القدس واثناء نزولي من المركبة قامت مجندة بدفعي بقوة فأسقطتني على الأرض مما أدى لاصابتي بعيني اليسرى ووجهي الأيسر ودخلوني إلى غرفة ، وقامت مجندة بتجريد ملابسي بالكامل وأعطتني ملابس أخرى لونهم سكني للمعتقل، وبالغرفة المجاورة عرضوني على طبيب وأخذ فحوصات للضغط والحراراة، ليتم بعدها 4نقلنا إلى معتقل عاناتوش وهو عبارة عن بركس مغلق من السقف والجدران وله ثلاث أبواب وتبلغ مساحته حوالي 300 متر وهو مفتوح على بعض وكان عددنا 9 أسيرات داخل البركس، ولقد كان لكل أسيرة عبارة عن وسادة رقيقة(فرشة) وبطانية خفيفة،  وكانت وجبات الطعام عبارة عن ثلاث وجبات في اليوم متشابهات يجمعهم الجبنة والخبز وتختلف بينهم الكمية، ولقد بقيت في المعتقل ثمانية أيام ولم يتم استدعائي لأي جلسات تحقيق.

وكانوا يقومون بكل صباح بازعاجنا عن طريق طرق الأبواب بشكل عالي وتبدأ الجنود بالصراخ ويتم استيقاظنا يوميا من الساعة السادسة صباحا، وكان يطلب منا طابور عرض كل صباح، للتأكد من وجودنا وعددنا داخل المعتقل، وخلال اليوم كله كنا مربوطين الايدين إلى الأمام وكنا نتناول الطعام ونحن مربوطين اليدين ونساعد بعض بالطعام ونتسخدم الحمام أي ونحن مربوطين اليدين، وكان هذا هو الروتين المكرر على مدار الثمانية أيام من وجودنا داخل المعتقل.

وفي صباح اليوم التاسع لنا بالمعتقل حيث حضر الضابط وقاموا بعدنا وتصويرنا وتعصيب أعيننا وتربيط أيدينا بمرابط بلاستيكية إلى خلف ظهرنا وكانت المجندة تشتمنا وتتعامل معنا بعنف وتدفعنا أثناء عملية نقلنا وتم نقلنا بواسطة بباص ليتم تنزيلنا داخل مكان لا نعرفه وتم عرضنا على دكتور ليفحص لنا الضغط والحرارة، وطلبت أثناء ذلك احدى المجندات مني أن أقبل علم اسرائيل فرفضت ذلك فقامت بضربي على رأسي بيدها بقوة، ونقلونا بعد ذلك إلى سجن ديمون بمدينة يافا، وعند وصولنا السجن جاءت مجندة فقامت بفك تعصيب عيناي وفك يداي، وقامت مجندة بخلع ملابسي وتفتيشي بالكامل، وأرسلتني إلى غرفة التحقيق وكان يوجد بها ضابط تحقيق وهي عبارة عن غرفة مساحتها12 متر مربع ويوجد بها طاولة وكرسي، ويوجد أمام المحقق جهاز لابتوب، فقام بسؤالي عن زوجي وأولادي وأهلي وعن عمل زوجي فأبلغته بأنه موظف في السلطة الفلسطينية جهاز حرس الرئيس وسألني عن دراسة اولادي ومكان دراستهم وأبلغته بأننا لا علاقة لنا بحماس لا من قريب ولا من بعيد، وبعد ذلك اخرجوني من غرفة التحقيق وتم عرضي على طبيب السجن وتم فحص الضغط والحرارة والوزن، ليدخولونا إلى سجن النساء، وكان في هذه السجن عدد مئة واثنتان أسيرة من غزة والضفة الغربية، وعند وصولنا قاموا بالترحيب بنا وأعطونا ملابس جديدة وفي هذه السجن تم فك تربيط ايدينا وتم فك تعصيب أعيوننا، وقامن الأسيرات في مساعدتنا في الاستحمام والاغتسال وطمؤنونا بأننا بخير وحضروا لنا وجبة عبارة عن معكرونة وبيض للعشاء، وادخولني بعد ذلك إلى غرفة مساحتها عبارة عن تسعة متر مربع عبارة عن غرفة عزل برفقة خمسة أسيرات لعدوم وجود غرف أخرى وعدم وجود متسع داخل السجن، وكانت الغرفة جدا سيئة ولا يوجد بها تهوية، حيث يوجد بها شباك صغير مغطى بالحديد ويوجد بجانبها حمام.

وبعد بأسبوع كانت لي أول جلسة تحقيق في هذا السجن وهي الأولى والأخيرة، حيث تم استدعائي لغرفة التحقيق وكان بها ضابط تحقيق يرتدي ملابس عسكرية، سألني عن زوجي وأخوتي وعائلة زوجي وعن أوضاعهم وأعمالهم وطبيعة شغلهم وطبيعة علاقاتهم الاجتماعية بمن، ووجه لي تهمة بأنني أشكل تهديدا على أمن اسرائيل فرفضت ذلك رفضا تاما، وسألني عن أماكن الأنفاق وأماكن تخزين الصواريخ وأماكن تواجد عناصر حماس وأماكن المقدرات العسكرية وأماكن تواجد أسرى الاحتلال، وعن أناس أقارب لي يعملون في حماس، فرفضت ذلك جملة وتفصيلا كوني فلسطينية مدنية دون اي ارتباطات ولا اعلم شيئا عما يسألني عنه، ووقعت على أقوالي بعد ذلك ليخرجوني إلى السجن مرة أخرى، وكنا نمكث طيلة أيام السجن والاعتقال داخل غرفة العزل وكان يخصص لنا فورة لمدة نصف ساعة للاغتسال او المشي والاستحمام، لنعود بعد انقضاء المدة لمعاناة السجن ومعاناة مرور الوقت وكثيرا ما كانت تأتيني نوبات ضعف التنفس وأشعر وأنني بحاجة إلى أكسجين لعدم وجود تهوية، ولقد عالجوني أكثر من مرة لمشكلة قلة الأكسجين عن طريق جهاز الأوكسجين، وتناولت لمدة معينة داخل السجن أدوية للإكتئاب.

وفي تاريخ 8/02/2024 وذلك بالصباح قام بتبليغنا نائب مدير السجن بأمر الافراج علينا في هذا اليوم ، وقد استقبلنا الخبر بفرح شديد لسببين أول سبب أننا سنرتاح من هموم ومعاناة السجن وويلاته والسبب الأخر اننا سنعود لغزة وألتقي أسرتي بعد غياب وأطمن على صحة أولادي وأطفالي وبقية أفراد أهلي.

بحدود الساعة الثامنة صباحا تم نقلنا بباص وهو باص مخصص لنقل الأسرى به، مفصل إلى ثلاث مفاصل حيث لكل مفصل مقعد يجلس فيه أسير لا يرى الأخر وكان يتسع الباص لأكثر من مفصل وكنا به حوالي 6 أسيرات و6 أسرى، لا نرى بعضنا البعض، وقام بالانتقال إلى معتقل عانتوش بجانب القدس وكان هناك استراحة مخصص للجنود وبقينا معهم ساعتين، بعدهاا سار الباص ليصل إلى معبر كرم أبو سالم بحدود الساعة 11:30 صباحا، وكنا في أثناء الطريق نسمع صوت الضرب والاهانة للأسرى الرجال الذين كانوا معنا فطيلة الطريق كان يتم ضربهم بفوهات البنادق أو ادوات ما شابهت، حيث كنا نستمع لوليلات الأسرى طيلة الطريق، لنصل إلى معبر كرم أو سالم ومشينا مسافة طويلة نوعا ما، وجاءت الأونروا وتم نقلنا عبر باص إلى مدرسة الطائف حاليا.