(حكاية عائلتنا ) إعداد الباحثة القانونية: وصال أيمن أبوعودة
(بعد مئة يوم على النزوح، النساء تروي)
حكاية عائلتنا
إعداد الباحثة القانونية: وصال أيمن أبوعودة
"أربعون عاما ونحن نبني بيت العائلة، الصغار كبروا وأصبحوا شبابا تزوجوا وأصبح لهم زوجات وعائلات ، والكبار أصبحوا شيوخا ونحن نعيش على حلم واحد أن يكون لنا بيتا يجمعنا، وتحقق الحلم أو كاد أن يتحقق عدة أيام، لم نكد نفرح عليه حتى أصبح حطاما وكأن زلزالا دكه بالأرض، في لمح البصر تحول حلمنا إلى تراب وحجارة وأنقاض أعمدة تحمل عرقنا وتعبنا ولوعتنا."
تشهد بمرارة الحاجة وداد توفيق شرف (58) عاما وهو تصف لنا بيتها المدمر بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة، وتقول وصوتها باكيا: "ما كان لنا يومين خالصين تشطيب فش وتجديد بناء البيت"
وتضيف قائلة: "منزلنا يقع في شارع اليرموك في حي الرمال في محافظة غزة ، ويتكون من 5 طوابق ، شقتين في كل طابق، كنا نسكن أنا وعائلة زوجي ، كنا عائلة ممتدة كل شخص عند تزويج ابناءه ، يقوم ببناء شقة إلى أن أصبحنا (40) شخص في نفس العمارة ، ابني جدد شقته وأكمل جزء من بناءها فقد كان يعتبر شقته " بيت أحلامه " ، لكن طالها التدمير كباقي المنزل، لقد دمروا أحلام أولادي.
ويروي هاني شرف زوج الحاجة وداد قائلا: "منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، زادت الهجمة الشرسة من الاحتلال الإسرائيلي، وشعرنا جميعا بالتوتر والقلق نتيجة القصف المتواصل، قصف مدفعي وآخر من الطائرات الإسرائيلية، شهداء وجرحى كل يوم، رائحة الدماء تتناثر وتتراشق في المنطقة، ولم يكن الحال في منطقتنا فحسب بل كان التوتر يمتد في كل محافظات قطاع غزة."
في اليوم العاشر من نفس الشهر بدأت قذائف المدفعية تتراشق على منازل المواطنين بطريقة عشوائية مرعبة، فلم يسبق أن شعرنا بأننا مهددون حتى في بيوتنا الآمنة، القذائف ما عرفنا من وين بتيجي من كثرها؟!! صار الكل يركض ويجري لأنها بتنفجر في البيوت وفي الشارع وعلى السيارات وكل شيء صار مهدد بالموت ، الناس كلها صارت تركض بالشوارع والصراخ والرعب ملأ المنطقة بأكملها، جنون حقيقي وموت على الكل، طلعنا نجري زي الناس خوفا على حياتنا وحياة الأطفال وصرنا نجري مش عارفين وين نروح، كان القصف شديد وصوت الانفجارات تصم الآذان، والناس أفواج بتجري، حافيين ومرعوبين، وناس حاملة مصابين وجثت بالشوارع، كان موت ورعب، ظلينا نجري لحد ما وصلنا ساحة غزة، واعتقدنا أنها منطقة أكثر أمانا وبعدا عن الدمار، لجأنا إلى برج أحد الأصدقاء لمدة 3 أيام وكان في عائلات كثيرة مثلنا، وبعدها تم قصف البرج مما أدى إلى إصابة زوجتي وداد وحفيدي هاني جلست ابحث عنهم تحت الركام عن زوجتي وابنائي وبعد عدة ساعات تم ابلاغي بأنهم متواجدين في مستشفى الشفاء"
وتستذكر الحاجة وداد:" عندما افاقت من الغيبوبة في مستشفى الشفاء وجدت يدها لا تستطيع الحركة بها وبها عدة عمليات و حفيدها متعرض لعدة حروق نتيجة للنيران التي القت بها الصواريخ ، بعد عمل الإسعاف الاولي العلاج المبدئي اضطر الأطباء لإخراجها من مستشفى الشفاء على الرغم من إنهاء رحلة العلاج ، عندها اتخدت أنا وزوجي قرار بالنزوح إلى محافظة خانيونس هذا القرار جاء نتيجة ما شاهدنه في حي الرمال وتل الهوا حيث إننا لم نتخيل أن تباد المنطقة بالمنظر التي كانت عليه، لم نستطع الوصول إلى منزلنا من كثرة الحطام والدمار، من هنا جاء قرار النزوح إلى كلية تدريب خانيونس.
ومازالت الحرب قائمة .. ولم نتوقع إننا خلال أكثر من مئة وثمانية يون أن لا نعود إلى محافظة غزة ، فالحياة في مراكز الايواء لا تصلح حتى لمعيشة الحيوانات، نعيش في خيمة لا تتوافر فيها أبسط الأشياء، وضعنا النايلون السميك بدل الحيطان وهذا لا يقي من حر الشمس ولا من برد الشتاء ، نعيش في خيمة لا نور بها فالكهرباء مقطوعة في أغلب الأحيان ، لا تتوافر لنا الواجبات الساخنة ولا حتى المشروبات ، كل ذلك يهون عن الشتات الذي تشتتنا... لقد تفرقنا كل بمكان مختلف بعد أن كانت تجمعنا مائدة واحدة وبيت واحد وضحكة واحدة، أصبحنا كالأغراب بالكاد نرى بعضنا ، فلم أرى بعض بناتي المتزوجات منذ بدء العدوان ولم أرى ابني منذ انتهاء الهدنة .
ويقاطع الحاج هاني شرف زوجته قائلا بلوعة وحزن عميق: "إلى متى سيبقي حالنا هكذا ... إلى متي سيبقى أولادي بعيدين عني، كلما أنظر إلى زاوية من زوايا الخيمة، تأتي غصة في قلبي من شدة حزني على هذه الحياة التي أعيشها ونحن في عام 2024 ، فقد عشت ما لم عاشه أبي وجدي في عام 1948 ، كما أنى أتألم على فراق أولادي وتشتتهم في محافظات قطاع غزة ، أريد أن أعود حطام بيتي في حي الرمال التي عشت به منذ أكثر من ثلاثة وستون عام ـأريد أن أعود وأعمر مكانه لو خيمة تجمعنا بأبنائي وبناتي ويرجع كل شيء مثل الأول ، أعود لبناء بيتاً عامرا بصوت أولادي وأحفادي حولي، أريد أن يلتئم شمل العائلة مرة أخرى، هذا جل ما أريده، أن أموت وأنا مطمئن أنهم معا تحت سقف واحد من جديد."