شهادة المسنة مريم إبراهيم محمد نعيم، 80 عام من بيت حانون

Content Cover

حكاية وطن  

 ( انا عشت في هذه الدار  اكتر ماعشت عند دار اهلى  .. كيف بدكم يانى اصدق انو خلص الدار راحت والأرض راحت)

تجاعيد وجهها تسرد حكاية وطن، وثوبها الفلاحى المطرز المغروز بخيوط ملونة يعود بنا إلى وطن سلب عنوة ، وغطاء رأسها الأبيض المسدول على أكتافها عنواناً للطهر والنبل والأصالة .

استقبلتنا بالترحيب والتأهيل والتسهيل وافترشنا الأرض سوياً ، وقبل أن تبدأ – الحاجة مريم- بسرد تفاصيل رحلة العذاب في الحرب الاخيرة ، أصرت على تقديم واجب الضيافة لنا وأردفت تسرد قصة هدم المنزل  مستحضرة يوم 7 من يونيو  للعام 2023 م  ،

الحاجة مريم قالت بأنها عاصرت حرب 1948م  وكانت ترعى أخواتها الأربعة أطفال في ظل انشغال ابيها بعمله ومرض أمها منذ ذلك الزمن  وهى تسكن في منزل عائلتها في منطقة كراج بيت حانون  لم تتخيل بانه سوف يأتي يوما بعد مرور أكثر من خمسون عاما لتفقده ... تتابع (هذا المنزل ثمرة جهدى فانا من قمت ببناءة بعد عملي داخل الأراضي  الفلسطينيةالمحتلة  عملت  في كل شئ داخل الخط الاخضر  عملت ايضا في الزراعة  )

تذكر الحاجة مريم ( كنت أجلس مع الجيران فى وقت الغروب حيث الأجواء الجميلة والأطفال يركضون ويلعبون من حولنا ، وأذا الطائرات  تقصف   والمدافع تقصف والرصاص يتناثر  في هذه الاجواء  اضطررنا  للنزوح الى مستشفى  ومن هناك  قام ابن أخي بإحضار سيارة اسعاف  ونقلنا الى منطقة مدينة مشروع بيت لاهيا – منطقة العلمي-  تقول الحاجة مريم رأيت الموت بأم عينى فى لحظات النزوح –– مضيفة ("أنا مش خايفة  على روحي، أنا مش خايفة على نفسي، أنا كنت خايفة على أخواتي ، أهلي ،كيف أعيش بدونهم)

تستحضر المسنة  المواقف عابسة وجهها فيكاد الدم ينفر من بشرتها البيضاء وتقول ( 15 يوماً قضيتها فى غرفة  معتمة تفتقر إلى مقومات الحياة ، بعدها انتقالنا الى منزل نسايب ابن اخي في منطقة سوق خانيونس جلسنا حوالي 40 يوم  وهى  ليست بأفضل حالا عن سابقتها ، ولكن عندما قام الاحتلال بطلب اخلاء المنطقة تواجهنا إلى كلية تدريب خانيونس التي أيضاً لم تختلف عن سابقتها سوى أنها  كانت تجمع الكثير  من الجيران  و الأقارب وبمرور أكثر من شهر ونصف على تواجدنا بمركز الايواء  وبالتحديد بتاريخ 24/1/2024  جاء خبر   بان منزلى تدمر ولكن الخبر الاسوء هو قصف مركز الايواء الذي كنا به  واستشهاد عدد من الجيران واللاجئين في مركز الايواء  مما اضطررنا للنزوح للمرة الخامسة لكن هذه المرة هي الأشد مرارة لأنها إلى منطقة لم اتخيل وجودي بها منطقة بحرية  نفترش بها الرمل بدلاً من الفراش الدافئ في هذه الأجواء الباردة.

و تجوب نظراتها بأنحاء الشارع لتستقر نظراتها نحو علم فلسطين المعلق على دوار في الشارع وتستكمل ( الفقدان سواء كان المنزل  او الجيران والاقارب من أحفاد أخواتي واقاربي من العائلة  لم اكن استوعبه ولكن حكم الله وايماني  بالله ثم بوطنى و بواجبنا تجاه البلد  جعلنى ادرك  اننا فدا هالوطن ) في مراكز الايواء وفي الخيام كل شئ سيء لا يوجد خصوصية  لأى شخص حتى  لا يوجد حمام فأنا الان لا استطيع المشي على قدمي للحمام ، حتى لا يتم توزيع طعام مجاني للأسر النازحة في منطقتي  ، الان وضعي الصحي متردى فأعاني من تيبس في عضلات الرجل وصعوبة في الحركة مع ذلك لم يتوفر العلاج في مراكز الايواء، وأشعر بالألم الشديد والخوف من استمرار منع الأهالى من العودة الى بيت حانون  كما أشعر بالحزن من الأخبار التي اسمعها بأن هناك العديد من الجثث في شوارع بيت حانون  ومنهم من هم تحت ردم المنازل المهدومة وكلهم من الشباب النوارة لم يستطعيوا أهاليهم من دفنهم فنحن نعلم ان اكرام الميت دفنه ولكن هذا الاحتلال اللعين لا يرحم حتى الموتى  )

سرحت الحاجة مريم  قليلاً يسيطر الصمت قليلاً ومن ثم تستأنف حوارها (الاحتلال حقير ولا يرحم منذ الـ1973 ولـ 2024 والمشاهد تكرار  ولا يوجد  فيه اى تغيير فالقتل قتل والاعتقال اعتقل  والاصابة  تعنى اعاقة والدمار والنزوح كما هى الصور وليست غريبة على محتل شرس).

و تضيف (لم أشعر يوماً بالخجل كونى فتاه فلسطينية مشاركة فى العمل الوطنية والمجتمعية و أنني   اعمل ايضا بالزراعة وتربية الدواجن وغيرها بل زادنى هذا العمل فخراً وشرفاً)

ابتسامتها العريضة لم تظهر كالمعتاد لكثر التجاعيد الجافة الدالة على حياتها الصعبة  لتقول ( نحن فى أرض رباط إلى يوم الدين ، لم تكن قصة نزوحي وعملي وخدمتى لبلدي  هى الحدث الوحيد  فى حياتى بل عشت قصة أخرى من قصص الوطن المسلوب عندما تم تجريف ارضي بالحرب الاخيرة قوات الاحتلال كانت تقف أمامنا )    

مريم نعيم ، الملقبة  بـالحجة مريم سردت لنا تفاصيل حكايتها وكما استقبلتنا بابتسامتها ودعتنا بها أيضاً ، إنها الحجة  التي  لم يمنعها تقدمها فى السن عن المشاركة فى الفعاليات منظمة التحرير الفلسطينية من أجل فلسطين ، ولم تكل أو تمل عن مواصلة مشوارها النضالي  رغم ما اعترضها من معوقات، الحاجة مريم، كحال كل إمرأة فلسطينية أبت إلا ان تقف صامدة كشجرة زيتون متأصلة الجذور.

 

المعرض