شهادة الاسيرة المحررة هـ، د ( 24 عام ) حي الزيتون -

Content Cover

أنا المواطنة هـ، د (24 عام )  أسكن في غزة حي الزيتون،متزوجة وأم لطفلين (محمد 4 سنوات) (زين 9 أشهر)  عندما بدأت الحرب وبدأت الناس بالنزوح قررنا البقاء في منزلنا والرباط هناك ولم نخرج منه إلى أن فوجئنا باجتياح جيش الاحتلال لحي الزيتون برياً ودخول الدبابات للمنطقة والبدء بتجريف البيوت والأراضي حولنا ومن ثم محاصرتنا، حيث بدأوا بإطلاق النار على كل من يتحرك في المنطقة ولم نستطع الخروج خوفا من الرصاص المتطاير بكثافة، إلا أننا لم نسلم أيضا حيث تم اعدام أخ زوجي "0000 ا" قنصاً بدون رحمة أثناء وجوده على سطح المنزل لإحضار بعض الأغراض من أجل تحضير الطعام للأطفال حيث أطلقوا رصاصة على رأسه مما أدى إلى وقوعه شهيدا فوراً، بعدها حاول زوجي سحبه ودفنه في حديقة المنزل إلا أنه لم يتمكن بسبب كثافة الرصاص فوقنا والمؤسف أن جثته بقيت ملقاة في بلكونة "شرفة" المنزل لمدة 20 يوم بدون دفن.

في اليوم التالي تحديدا بتاريخ 6 ديسمبر 2023 تفاجئنا بقيام الجنود بتفجير باب منزلنا والحائط بالقنابل وفور وقوع الحائط رأينا عدد كبير من الجنود أمامنا وجميعهم يمسكون أسلحتهم ويوجهون الليزر والقناصات علينا فشعرنا برعب شديد وأصبحنا نصرخ بأننا مدنيين وهناك أطفال، فأمرونا بالخروج خارجا ثم قاموا بفصل النساء عن الرجال، حيث أبقوا النساء والأطفال في حاصل وأخذوا الرجال إلى منزل آخر في نفس المنطقة، الوضع بالبداية كان مرعب جدا لي ولأطفالي محمد 4 سنوات) و (زين 9 أشهر)، بعدها جاء الضابط وناداني وسألني عن زوجي و كم طفل معي وكنت وقتها مع النساء، وعندما حل المغرب نادوني مجددا وفصلوني عن أطفالي وعن النساء وأخذوني إلى مكان آخر مع زوجي وحماي وأخ زوجي وأجلسونا في دبابة وفي هذا الوقت لم تكن يداي مربطة ولا أعيني معصوبة بعد، وجدت زوجي وقتها في حالة سيئة حيث كان مضروب ضربا مبرحاً، بعدها جاءت جندية عندي وأخبرتني أنهم سيقومون بعمل فحص طبي لي وأنهم سوف يرجعوني بعد نصف ساعة لأطفالي خاصة أنني كنت أبكي بشدة وكان طفلي الرضيع يبكي حيث أنهم أخذوه أثناء ارضاعي له، ولكن لم يرجعوني وتحولت النصف الساعة ل 54 يوم اعتقال وبعد الاعتقال تم ابعادي عنهم حيث أن الاحتلال يمنعنا من العودة إلى شمال القطاع وهم موجودين هناك وحيدين وسط المجاعة ووسط القصف العنيف.  

بعدها قاموا بتعصيب عيناي بشكل قوي وكلبشة يداي بشدة تمهيدا لأخذ عينة مني من النخاع الشوكي لأنهم شكوا بأن أطفالي ليسوا لي وأنهم من أسرى الاحتلال خاصة وأنهم شقر وأعينهم ملونة، وعلمت بعد الافراج عني أنهم قاموا بأخذ عينات من النخاع الشوكي لأطفالي أيضاً وتم احتجازهم لدى الجيش الاسرائيلي في غزة لمدة 5 أيام بعد أسري أنا ووالدهم ومن ثم وقع بعدها تسليمهم لأم زوجي، بعدها قاموا بحقننا جميعاً بحقن لا أعرف ماهيتها، حيث كنا 6 اشخاص خضعنا لنفس الفعل حيث كنا مازلنا في غزة والمكان كان أشبه بغرفة العمليات وبارد جدا وكان هناك علب أدوية وأبر وطاولة كبيرة وكنت أستطيع سماع صوت طقطقة الابر وأستطيع رؤية سحب المواد وخلطها من تحت العصبة كما كان هناك محاليل وكانيولات، بعدها قاموا بالتحقيق معي حول 7 اكتوبر وكانوا وقتها يقومون بضربي على ظهري بالسلاح الخاص بهم ولم يكن امرأة أخرى معي كما أن صدري أصبح يؤلمني بشدة لأنني مرضعة وابني لم يرضع مني وتوسلت اليهم أن يعيدوني لأرضعه إلا انهم رفضوا وقاموا بضربي، بعدها انتفخت يدي من شدة المرابط وطلب حماي منهم تخفيفها إلا أنهم عاقبوني وزادوا من شدتها لدرجة أني أحسست بأن يداي سوف تنقطع وكدت اشعر بالعمى بسبب شدة العصبة التي كانت على عيني، في اليوم التالي نقلونا إلى بيت آخر كبير وكان هناك تقريبا 100 رجل ولم يكن معهم امرأة غيري وكنت وقتها خائفة جدا بسبب هذا الوضع وأصبح معي حالة انهيار بسبب ما حدث وبسبب الوجع الذي كان ينتابني، وكانوا يقومون بإخافتي طوال الوقت والتعوية بجانبي وكان الشباب جميعهم عراة بخلاف البوكسر والجو باردا للغاية و أغلب الشباب كانوا مخدرين حيث كنت أسمع صوت طقطقة الابر التي كانت تعطى لهم في جنبهم "مؤخرتهم" وكنت أسمع الجنود وهم يقولون لهم لف وجهك من أجل إعطائهم الإبر، كما أنهم كانوا يفركون عشبة لا أعلم ماهيتها في أفواه الأسرى وكنت أستطيع رؤيتهم يغيبون عن الوعي ويهلوسون بسببها وكان الجنود وقتها يقومون بحساب وقت معين ويراقبون الساعة لمدة 15 دقيقة تقريبا ثم يتأكد ان كان نائم أو مستيقظ ويحاولون ايقاظه ويضربونه لكي يستيقظ ورأيت هذا حدث مع زوجي ومع حماي ومع أخ زوجي ثم كانوا يأخذونهم إلى التحقيق الذي يستمر لساعة من مع كل واحد تقريبا ولكن لم يفعلوا بس مثلهم وقتها.

 في اليوم التالي أخذونا إلى مكان خارج المنزل به حفرة كبيرة جدا وقاموا برمينا جميعا داخلها أنا لوحدي في جانب وباقي الرجال 200-300 رجل أمامي في الجانب الآخر، كانت الدبابات والجيبات تحيط بنا من كل الجوانب ومارسوا علينا حرب نفسية بشعة حيث هيئوا لنا بأنهم سيقومون بإعدامنا جميعاً، وكانت الدبابات تحاول دهسي والاقتراب مني بشكل كبير وكنت خائفة وكلما أحاول الابتعاد عنها يقوم الجنود بالصراخ علي وارجاعي، ثم أصبحت الدبابات تلتف حولنا بسرعة كبيرة وتقوم بطم الرمال علينا في الحفرة ويقولون لنا بأننا سوف ندفنكم جميعا ونجعل الكلاب تأكل أجسادكم وكل مرة كانت تزداد الرمال وتعلو فوقنا أكثر إلى أن اقتربت الرمال من رؤوسنا وكان هناك مجموعة كبيرة من الرجال في الحفرة قد دفنوا بشكل كامل في الرمال وأول من دُفن كان "حماي أيمن الظاظا 67 عام" وكان يحاول الاستنجاد بي و يطلب مني مساعدته على الخروج بسبب حرارة الروح وحاولت مساعدته الا ان الجنود قاموا بضربي ومنعي والحمد لله أنهم أخرجونا جميعا بعد مرور نصف ساعة على هذا الوضع ولم يمت أحد ولكن كان وضعهم صعب للغاية، وبعد أن أخرجونا قام احد الجنود بإطلاق رصاصتين في الهواء وأخبروني بأننا قد قتلنا زوجك فانهارت أعصابي وبدأت بالبكاء وطلبت منهم أن يقتلوني أنا أيضا لكنهم استهزأوا بي وقالوا لي بأن زوجك مخرب وحماس وقلت لهم لا زوجي انسان مسالم ومدني، ثم أحضروا شاحنة كبيرة وقاموا برميي أولاً في الشاحنة ثم قاموا برمي جميع الشباب فوقي واصبح الشباب يبكون على حالي خاصةً وأنهم قاموا بإزالة الحجاب عني وتعرية شعري وتصويري ونشرها على مواقعهم الإخبارية "وهو المشهد الذي انتشر في صورة على الانترنت"، ثم اخذونا إلى غلاف غزة وكان المكان هناك مليئاً بالجنود ووجدت قبلي 3 نساء من عائلة "أبو زور" وهنا تم فصل الرجال لوحدهم والنساء لوحدنا، وأجلسوني أنا والنساء على مكان به حصو ورمال واعطونا بطانية مبلولة بالماء في ظل البرد الشديد وكان وقتها قد ازداد وضعي سوءاً بسبب الألم الذي أصابني من انفطام ابني المفاجئ. في اليوم التالي جمعوا مجموعة أخرى من الأسيرات من عائلة أبو الخير، وعائلة أبو شملة "أصغرهن 15 عاما وأكبرهن 83عاما" ، وعائلة الاخرس فأصبحنا 19 أسيرة، أخذونا جميعا في باص باتجاه معتقل عانتوت في القدس، وفور وصولنا أخضعونا إلى تفتيش عاري من قبل المجندات وصادروا جميع ممتلكاتنا وذهبي ثم اعطونا بجامة رمادية اللون وادخلونا للتحقيق مباشرة وسألوني عن 7 أكتوبر وماذا كنت أفعل وهل رأيت أحد من الأسرى فأخبرتهم أنني كنت أقوم بإلباس طفلي وتجهيزه للذهاب إلى الروضة وزوجي كان يستعد للخروج للعمل حيث أنه يعمل في الطوبار ونحن مواطنون عاديون، وفي هذا المعتقل تم التحقيق معي 5 مرات وفي كل مرة كان يحقق معي جندي فقط وفي مرتين كانت هناك جندية معه، كانت مدة التحقيق في الغالب ساعة تقريبا وكانت معظم الأسئلة لا أعرف عنها شيئا وأجيبهم بأنني لا أعرف ولكن لا يصدقوني ويقومون بضربي بالسلاح برأسي وبعدها يرجعوني للمعتقل. كان المعتقل عبارة عن قفص غير مغلق بالكامل وكان الماء والشتاء يتساقط علينا ناهيك عن البرد الشديد والخوف حيث كانا ملازمان لنا، كنا مربطين طوال الوقت بالمرابط البلاستيكية وطول اليوم من الساعة الرابعة فجرا حتى الساعة العاشرة مساءً نظل جالسين على ركبنا وممنوع التحرك وكنا نتألم بشدة من ذلك، كما أنهم كانوا يشتمونا بشكل مستمر بألفاظ نابية ويشتمون الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ومكثنا في هذا السجن لمدة يومين تقريبا، بعدها نقلونا لمكان في بئر السبع وأعطونا بطاقة تعني أننا أصبحنا أسرى عندهم وعند وصولنا للمكان أجلسونا على عشب مبلول وبدأوا بضربنا وكنت قد خضعت من فترة لعملية ولادة قيصرية فقاموا بضربي لمدة نصف ساعة تقريبا على ظهري بالسلاح وعلى بطني بالبسطار بقوة مما أدى إلى فتح مكان العملية والتهابها ولم يعالجوني منها وتركوني على هذا الحال وهو ما أعاني منه لليوم حتى بعد اطلاق سراحي، ثم أخذونا بعد عمل البطاقات إلى حيفا "سجن دامون" ومكثنا في هذا السجن 49 يوم وعند وصولنا أدخلونا التحقيق مباشرة وسألوني نفس الأسئلة عن 7 أكتوبر وتوسلت إليهم بأن يرجعوني لأولادي فأجابوني بأننا عندما نرجع أولادنا المختطفين سترجعين لأولادك، بعد أدخلونا إلى السجن وهو عبارة عن زنازين صغيرة وكنا مقيدي اليدين والأقدام بكلبشات حديدية وكنت أنا و 13 امرأة في زنزانة واحدة، كانت ظروف الأكل سيئة وكنا نعتمد في أغلب طعامنا على ما يعطونا إياه الأسيرات الفلسطينيات من الضفة والداخل المحتل لأن الأكل كان شحيح وغير كافي ومعظمه كان نيئ.

بتاريخ 26 يناير 2024 تم إطلاق سراحنا حيث أخذونا بباص فجرا ونقلونا باتجاه معبر كرم أبو سالم ومن ثم أمرونا بالجري حتى معبر رفح وهناك وجدت زوجي الذي تم أسره معي وكان قد تم إطلاق سراحه قبلي وفرحت عندما علمت أنه تم الافراج عنه ولكن مازال قلبي يعتصر حزنا على أطفالي الموجودين في شمال قطاع غزة بعيدا عني ويعانون ويلات المجاعة كما أنني لا أستطيع الوصول إليهم ولا حتى الاتصال بهم بسبب قطع الاحتلال لشبكات الاتصالات.

المعرض