مطالبات بتدخل دولي عاجل لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة من جريمة التجويع في غزة
أوصى حقوقيون ومختصون في مجال التأهيل والإعاقة بضرورة وقف جريمة التجويع الممنهج التي تلقي بتداعياتها الخطيرة على ذوي/ات الإعاقة في قطاع غزة، واتخاذ تدابير عاجلة لمنع تدهور أوضاعهم وضمان حمايتهم من تداعيات التجويع وحرب الإبادة لا سيما النساء والأطفال وكبار السن منهم، وشددوا على ضرورة اعتماد إجراءات عادلة في توزيع المساعدات الإغاثية، داعين إلى ضرورة إنشاء برنامج وطني شامل قائم على مبدأ الاستحقاق لتلبية احتياجات ذوي الإعاقة والحد من معاناتهم، وضرورة وفاء وزارة التنمية الاجتماعية بالتزاماتها تجاههم.
جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمتها اليوم، الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان وقطاع الإعاقة في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، عن بُعد، بعنوان (واقع جريمة تجويع سكان قطاع غزة وآثارها المضاعفة على الأشخاص ذوي الإعاقة)، بمشاركة ممثلين عن منظمات حقوقية ومؤسسات معنية بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، محليًا وإقليميًا.
أدار الورشة المحامي بهجت الحلو منسق التوعية والتدريب في الهيئة، مستعرضًا الخلفية القانونية لجريمة التجويع باعتبارها إحدى صور جريمة الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي، موضحًا أن تعمد استخدام التجويع كأداة حرب ضد المدنيين، وفرض أوضاع معيشية تؤدي إلى حرمانهم من الغذاء والدواء، يرقى إلى مستوى جريمة حرب في حال ارتكابه خلال نزاع مسلح، وجريمة ضد الإنسانية إذا وقع ضمن هجوم واسع النطاق ضد السكان المدنيين كما يحدث في القطاع.
كما عرض شهادة أبو جاسم النجار من مخيم البريج وسط قطاع غزة، والد طفلين من ذوي الإعاقة، تحدث فيها عن تدهور حالة طفليه الصحية بسبب نقص الغذاء والعلاج، مطالبًا بتدخل إنساني عاجل.
من جهته، أكد الأستاذ أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية، نائب المفوض العام للهيئة، أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم من الفئات الأكثر تضررًا من جريمة التجويع وسياسات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين. وأوضح أن التقارير الأممية تشير إلى تسجيل ما بين 10 إلى 12 حالة بتر يوميًا بين الأطفال، إضافة إلى تشوهات خلقية لدى المواليد الجدد، ما يزيد من أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع. مشيراً إلى أن الأزمة لا تقتصر على سوء التغذية والمجاعة فحسب، بل تتفاقم بسبب القصف المستمر والنزوح القسري وفقدان الأدوات المساعدة والأدوية الضرورية، حيث توفي العديد من ذوي الإعاقة بصمت نتيجة غياب الخدمات والرعاية.
وأشار المستشار علاء شلبي رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، إلى دعمهم الكبير لجهود التوثيق التي تُجرى بالتوازي مع مراكز حقوقية فلسطينية، من خلال جمع شهادات وإفادات لضحايا العدوان، والتي تُستخدم في تقديم تقارير وأدلة للمحاكم الدولية. وأوضح أن هذه الجهود تشمل توثيق جرائم الحرب والانتهاكات التي تحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتقديم ملفات متكاملة إلى المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، مؤكداً أن العمل مستمر على إعداد ملفات جديدة وتطوير الأدلة، مع التأكيد على أهمية هذه التوثيقات في دعم المسار القانوني الدولي ضد مرتكبي الجرائم.
ودعا الأستاذ جميل سرحان نائب مدير عام الهيئة المستقلة لقطاع غزة، إلى ضرورة تكثيف الجهود الحقوقية لتوثيق الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأشخاص ذوو/ات الإعاقة في قطاع غزة، والعمل على مخاطبة المقررة الخاصة المعنية بحقوقهم في الأمم المتحدة، السيدة هبة هجرس، عبر تزويدها بإحاطات شاملة من مختلف المؤسسات المتخصصة، بما يشمل الإعاقات الحركية والسمعية والبصرية وغيرها، مثمناً ما طرح خلال الورشة من مداخلات وأفكار تعكس مستوى متقدماً من الوعي والالتزام لدى المؤسسات الفلسطينية، رغم جرائم الإبادة الجماعية وقدرتها على المضي قدماً في مسار العدالة والكرامة الإنسانية.
ومن جهتها، أشارت الأستاذة آمال صيام مديرة مركز شؤون المرأة، إلى أن النساء والفتيات ذوات الإعاقة يواجهن معاناة مركبة تفوق الوصف في ظل استمرار الإبادة الجماعية وتجويع سكان قطاع غزة، وأكدت أن النساء ذوات الإعاقة، لا سيما الحوامل منهن، يواجهن صعوبات حادة في الحصول على الغذاء والرعاية الصحية، ما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الولادات المبكرة نتيجة سوء التغذية. وانتقدت آليات توزيع المساعدات الإنسانية، التي تفتقر للعدالة والكرامة، وتمنع الفئات الأكثر هشاشة، كالنساء والفتيات ذوات الإعاقة، من الوصول الآمن إلى الغذاء والدواء.
من جانبه، أكد الدكتور إياد الكرنز منسق قطاع التأهيل في شبكة المنظمات الأهلية، أن فئة الأشخاص ذوي الإعاقة تُعد من أكثر الفئات تضرراً من الإبادة والتجويع، إذ بات عشرات الآلاف منهم رهائن لمأساة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم. وأوضح أن هذه الفئة التي تتمتع بالحماية الخاصة بموجب الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تعاني من غياب الاحتياجات الأساسية، سواء على مستوى الغذاء أو الدواء أو أدوات المساعدة. وأشار إلى أن مراكز الإيواء لا تأخذ في الغالب خصوصية احتياجات ذوي الإعاقة بعين الاعتبار، وسط أوضاع نفسية قاسية وصدمات متكررة.
وناقش المشاركون أبرز التحديات التي تواجه ذوي/ات الإعاقة وسبل التخفيف من الانتهاكات التي يتعرضون لها، وتم استعراض الجهود التي تقوم بها الكنيسة في غزة في حماية 50 من ذوي الاعاقة النازحين فيها، معظمهم من الأطفال، داعين إلى ضرورة إطلاق نداء عاجل للتحرك من أجل حماية حقوق الأشخاص ذوي/ات الإعاقة ومواجهة الانتهاكات التي يتعرضون لها، خاصة مع استمرار ظروف الإبادة، كما شددوا على أهمية إعادة بناء مؤسسات التأهيل وتوفير الأدوات المساعدة بشكل عاجل، مع الالتزام الدولي بحماية هذه الفئة، لا سيما النساء والفتيات منهن.
وأكدوا على تعزيز جهود الرصد والتوثيق، إلى جانب تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني المختصة بقطاع الإعاقة، بالإضافة إلى توظيف التكنولوجيا للتخفيف من معاناة ذوي الإعاقة وتسهيل وصولهم للخدمات الأساسية ومناصرة حقوقهم. مطالبين بتأسيس مؤسسة وطنية متخصصة تُعنى بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.