نشاطات وفعاليات
رأي الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في إقرار مشروع قانون العقوبات
2 أكتوبر 2016

وضح الدكتور ممدوح العكر المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان موقف الهيئة من إقرار مسودة مشروع قانون العقوبات، خلال المؤتمر الذي عقد لهذه الغاية مؤخراً بمدينة أريحا تحت رعاية رئيس الوزراء د. سلام فياض.
أشكركم بدءاً على إتاحة هذه الفرصة لي لأتقدم باسم الهيئة المستقلة بالتقدير لكل القائمين على هذا الجهد الكبير نحو بلورة قانون عقوبات فلسطيني. كما أنني أشيد بالفرصة التي أعطيت لمؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان لتساهم وبشكل فعال في مرحلة صياغة مشروع القانون وإعداده.
وفي هذا السياق فإنني أعتقد أن من الضروري إشراك ممثلي الكتل البرلمانية وعدد من الخبرات الأكاديمية ورجال القانون فيما هو قادم من مناقشات لبلورة الصيغة النهائية لمشروع القانون هذا قبل إقراره.
إن أهم ما يلفت الانتباه لدى المطالعة العامة السريعة لمشروع قانون العقوبات هو تلمّس وجود تطور وتوجهات إيجابية في غاية الأهمية.
• فهناك توجه نحو تبني فلسفة حديثة وعصرية في النظرة إلى مفهوم العقاب من حيث تبني نهج إصلاح وتأهيل المجرمين دون الاكتفاء فقط بعقابهم، خاصة عندما تطرق مشروع القانون إلى العقوبات البديلة التي تعود بالمنفعة على المجتمع.
• وهناك النص على أهمية وضرورة التوازن ما بين حجم الجريمة والعقوبة.
• ثم هناك تبنٍ واضح للمواثيق الدولية في عدة محاور أساسية.
مقابل ذلك وضمن نفس المطالعة العامة السريعة هذه، يبدو لي أن هناك نوعٌ من الارتباك أو التعارض ما بين هذه التوجهات الإيجابية وبين ما يلاحظ من وجود توسع في تجريم أفعال وسلوكيات جديدة، مقروناً بتشددٍ في نوع أو حجم العقوبة. صحيح أن هذا التوسع وهذا التشدد يحملان جوانب إيجابية، لكنهما في ذات الوقت يحملان جوانب سلبية من زاوية انها قد تخلّ في بعض المواقع المحددة من مشروع القانون بمبدأ التوازن ما بين الجريمة والعقوبة من ناحية وبمبدأ الالتزام بالمواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان من جهة أخرى.

سوف يقوم طاقم الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بتقديم آراء بهذا الخصوص في العديد من مواد القانون خلال جلسات هذه الورشة، ولكن اسمحوا لي أن أذكر أمامكم ملاحظات أولية وسريعة بدءاً بأهم الإيجابيات التي يجب أن تثّمن عالياً:
1- فكما أشرت هناك تبنًّ لسياسة أو فلسفة جنائية حديثة وعصرية بمفهوم العقاب بالتوجه نحو العقوبات البديلة التي تعود بالمنفعة على المجتمع.
2- خلو مشروع القانون من عقوبة الإعدام وكذلك خلوه من عقوبة الأشغال الشاقة.
3- امتداد الولاية الجنائية الدولية للمحاكم الوطنية لمحاكمة ومعاقبة مرتكبي جرائم الحرب بغض النظر عن جنسياتهم وزمان ومكان ارتكابهم لهذه الجرائم.
4- الالتزام بانسجام التشريعات السارية ومواءمتها للمعاهدات والمواثيق الدولية، وبالتحديد ما يتعلق منها بتجريم كافة أشكال التمييز وخاصة ما يتعلق منها بالمرأة، وما يتعلق بحقوق الطفل وذوي الإعاقات.

ومن الأهمية بمكان هنا الإشادة بالمادة المتعلقة برفع سن الحدث من 9 إلى 12 سنة، والمادة المتعلقة بمعاقبة من أتمّ مراسيم الزواج على طفل أي من هو دون الثامنة عشرة، وهذا من شأنه المساهمة الجادة في الحد من الزواج المبكر بكل آثاره الاجتماعية السلبية.

ثم هناك المواد الهامة المتعلقة بالتعذيب من حيث تبني تعريف التعذيب كما ورد في الميثاق أو العهد الدولي ضد التعذيب، ومن حيث معاقبة كل من يأمر بالتعذيب ومن يمارسة ومن يتستر عليه ودون الأخذ بتبرير الفعل بأنه تم بناءً على أوامر عليا.
(فالتعذيب الجسماني أو النفسي وسوء المعاملة والمعاملة المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية جريمة يعاقب عليها القانون الفلسطيني حسب مشروع قانون العقوبات هذا، تأكيداً وتفصيلاً لما ورد في القانون الأساسي).

ومن أهم الملاحظات النقدية، أذكر سريعاً أن مشروع القانون لم يحدد موقفاً واضحاً من ما يسمّى بجرائم الشرف ويكتفي بالمساواة ما بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بارتكاب هذه الجرائم!
وهناك ضرورة لإعادة النظر وصياغة المادتين (140 و141) حول أسباب الإباحة وموانع العقاب، فهي تنص أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أو شخص مكلف بخدمة عامة، إذا قام بذلك بحسن نية أو تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس تجب عليه طاعته، فهل هذه المادة تنطبق على كل موظفي الخدمة العامة؟ أم أن الأمر يجب أن يتعلق فقط بالمسؤولين عن إنفاذ القانون، وكذلك ضرورة استثناء جريمة التعذيب من هذه المادة.
المادة 209 تعرف التجمهر غير المشروع بأنه كل تجمع مكون من 7 أشخاص أو أكثر توافقوا على الإخلال بالأمن العام أو إحداث الشغب، (بينما قانون الاجتماعات العامة يحدد العدد بـ 50).
كما يؤخذ على مشروع القانون عدم تعرضه لبعض الجرائم كالابتزاز على سبيل المثال، كما لا بد من إن يتطرق مشروع قانون العقوبات إلى مسألة هامة وهي مدى انطباقه على كافة المواطنين بما فيهم منتسبي الأجهزة الأمنية لدى ارتكابهم المخالفات والجرائم المدنية.
كما أن من المهم أن يشير مشروع القانون إلى ضرورة إلغاء العمل بقانون العقوبات الثوري لسنة 1979 فور إقرار مشروع قانون العقوبات.
ختاماً لا بد من التنويه بأن هناك ضرورة لقانون عقوبات فلسطيني، لكن هناك تحد هام يواجه مشروع القانون من زاوية إقراره في الظروف الحالية استناداً للمادة 43 من القانون الأساسي والتي تشترط الضرورة التي لا تحتمل التأخير.