
إعداد الباحثين:
أ. لوزان صالح
أ. أمين عفانة
تمهيد:
تعتبر النساء من أكثر الفئات التي تعاني ويلات مضاعفة في أوقات النزاعات المسلحة والحروب، هذا ما دعا الجمعية العامة بإعلان القرار رقم 3318 رقم 4 المؤرخ في 16 مايو من عام 1974 " بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة، كما ذهب مجلس الأمن لاتخاذ القرار رقم 1325 الصادر في 31 تشرين الأول من عام 2000 حول "المرأة والسلام والأمن" والقاضي بأن النزاعات تؤثر على النساء والفتيات بطريقة مختلفة عن تأثيرها َ على الرجال، وهي المرة الأولى التي يقوم فيها مجلس الأمن بمواجهة التأثير الغير المتناسب والفريد من نوعه للنزاعات المسلحة على المرأة.
يقـوم قـرار مجلـس الأمن 1325 حـول المرأة والسـلام والأمن علـى أربعـة محـاور أساسـية، قبـل أو خـلال أو بعـد النـزاع، أهمها
- محور المنع: ويركز على منع العنف القائم على الجنس والنوع الاجتماعي، وكذلك الوعي الجنساني في منع نشوب الصراع، ونظام الإنذار المبكر. ويتضمن ذلك منع الاعتداء والاستغلال الجنسي من جانب قوات حفظ السلام.
- محور الحماية: وتتضمن تحسين أمن الفتيات والنساء، وتحسين صحتهم الجسدية والعقلية، وأمنهم الاقتصادي وحياتهم بشكل عام. وتركز أيضًا على تحسين حقوق النساء والفتيات وحمايتهم القانونية.
في غزة تعاني 1.10 مليون من الإناث، والتي تشكل ما نسبته 49.3 % من سكان قطاع غزة منهن حوالي 546 ألف أنثى في سن الانجاب (15- 49) سنة، حيث أصبحت أكثر من 90 % منهن مهجرات من منازلهن ومناطق سكناهن قسرًا، وسط ظروف غير إنسانية وانعدام متطلبات الحد الأدنى من المعيشة، حيث تعاني النساء بشكل مكثف من تداعيات الهجوم الإسرائيلي خاصة التهجير القسري. وأفادت العديد من النساء في مراكز الإيواء لطواقمنا بأنهن يواجهن معاناة إضافية جراء حالة النزوح وعدم توفر الظروف الصحية الملائمة لهن.
وبمقارنة متطلبات نصوص القانون الدولي الذي تعتبر الزامية لكافة الأطراف فيه مع الواقع الذي تعيشه المرأة الفلسطينية نجد ما يلي:
يطلب من جميع الأطراف الفاعلة المعنية بناء على هذا النصوص مراعـاة الاحتياجـات الخاصـة للمـرأة والفتـاة أثنـاء الحروب والتهجير والإعـادة إلى الوطـن وإعــادة التوطين وكل ما يتعلق من هذه الاحتياجات
ولكن وفق المعلومات التي جمعناها من النساء الفلسطينيات النازحات فأنهن عانين من عدة انتهاكات قبل وأثناء وفي أماكن النزوح.
اولا: انتهاكات قبل النزوح
عانت النساء الفلسطينيات معاناة كبية جدا قبل النزوح حيث انه ومن خلال العديد من المقابلات التي اجريناها مع مجموعة من النساء افدن بانهن تعرضن وحسب شهادتهن لأبشع الجرائم التي لم تراعى فيها حقوق المرأة التي نادى بها القانون الدولي، حيث تعرضن للقصف الهمجي المقصود ما أدى لقتلهن او اصابتهن اصابات لا يستطعن ممارسة حياتهن الطبيعة كما سبق وايضا مازالت النساء التي لم تنزح تضطر الى العمل بالأعمال الشاقة التي هي خاصة بالرجل كجلب المياه لمسافات طويلة سواء بالمشي او عبر عربات الجر، وتعرضت ايضا النساء اللواتي لم تنزح ايضا لمضايقات مختلفة مثل اجبارهن على خلع الحجاب وهذا ما حصل في ملعب اليرموك في مدينة غزة حسب شهادة بسام نعمان عبد الرحمن بلبل والذي ذكر بأن ابنة عمته "ريم زهير سعد الدين حمدقة" قد أجبرت على خلع حجابها بعد أن رفضت الابتعاد عن أولادها.
كما لم تسلم النساء وخاصة الحوامل من التعرض للاختناق بفعل قنابل الفسفور التي كانت تطلق على شمال قطاع غزة حسب ما ذكرت لنا الشاهدة نورهان ابو نحل مع العلم انها حامل في الشهر السابع، وكان قرار مجلس الأمن 1325 قد حظر استعمال مثل هذه الاسلحة الكيمياوية والبكتريولوجية واعتبرها تشكل واحدة من أفدح الانتهاكات لبرتوكول واتفاقيات جنيف ومبادئ لقانون الدولي والانساني وتنزل خسائر جسيمة بالسكان خاصة الاطفال والنساء وكيف وان كانت حوامل.
وكان القانون الدولي قد حمى النساء من هذه الانتهاكات والتي جاء في نصوص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وبموجب قرار جمعية الامم المتحدة التي جاء تحت الرقم 3318 رقم 4 المؤرخ في 16 مايو من عام 1974 " بانه يتعين على جميع الدول المشتركة في منازعات مسلحة ان تبذل كل ما في وسعها لتجنيب النساء والاطفال ويلات الحرب واتخاذ تدابير لمنع العنف والمعاملة المهينة".
ثانيا: انتهاكات بحق النساء اثناء عملية النزوح.
تعرضت مجموعة كبيرة من النساء الفلسطينيات في طريق النزوح الى أماكن أكثر آمنا حسب ما ادعى الاحتلال إلى العديد من الانتهاكات سواء الجسدية او المعنوية، حيث قام الاحتلال الاسرائيلي واثناء عملية النزوح بقصف السيارات والشاحنات التي كانت تمتلئ بالنساء حيث شاهدن وشاهد جميع من جاء على طريق صلاح الدين من الجهة الشرقية لقطاع غزة بان هناك نساء قد تعرضوا للقصف وكانت جثثهم متطايرة فوق الطرق وايضا جثث لنساء ملقاة فوق العربات التي تعرضت للقصف حتى ان جثثهم قد تحللت وهو ما رواه لنا الشاهد محمود دخان الذي شاهد جثة امرأة ملقاة على الطريق والواضح أنه تم اعدامها أثناء محاولتها المرور باتجاه الجنوب.
وايضا من الشهادات الحية التي اجريناها فان هناك العديد من النساء اجبرن على خلع ملابسهن وخمارهن حسب رواية الشاهدة شرين بسام بلبل التي شاهدت قوات الاحتلال يجبرون امرأة في طريق النزوح على خلع خمارها بالعنف، وذلك خلافا لاتفاقيه جنيف الرابعة التي نصت بشكل خاص على حماية النساء حيث جاء في المادة (27) ف 2 "يجب حماية النساء بشكل خاص من الاعتداء والاغتصاب والبغاء القصري او أي شكل اخر من اشكال التحرش الجنسي".
كما تعاني المرأة الفلسطينية من معاملة غير انسانية أثناء النزوح حسب اقوال السيدة "رنا جبر" اضطررنا إلى قضاء الحاجة في الشارع أو الانتظار وقت طويل جدا وهذا ما يسبب مشاكل صحية للمرأة نظرا لطول فترة النزوح وعدم وجود مواصلات حيث تستغرق رحلة النزوح ساعات، كما أن النساء النازحات في وقت الدورة الشهرية يعانين كثيرا حيث أنهن لا يستطع التوقف أو الارتياح بناء على تعليمات الاحتلال بعدم التحرك والمضي قدما.
كما عانت النساء الفلسطينيات في ظل هذه الحرب من الاعتقال التعسفي والايقاف في طريق النزوح حيث تم توثيق اعتقال أكثر من خمسين امرأة من قطاع غزة من ضمنهم مسنات ورضيعات وحسب ما وصل من شهادات فأنهن يتعرضن إلى التنكيل وسوء المعاملة في ظل تعتيم كامل عن مصيرهن من قبل الاحتلال. وحسب شهادة السيدة "خولة ابو زايدة" والتي تبلغ من العمر 40 سنة من سكان شمال قطاع غزة فان ابنتها اسيل ابو زايدة والتي تبلغ من العمر 19 عاما والتي اعتقلت اثناء النزوح قد تعرضت لسرقة ذهبها الخاص والمقدر قيمته اربعون ألف دولار اميركي ولم تسترده الى غاية هذه اللحظة وذلك لأنها مازالت معتقلة الى هذه اللحظة لدى الاحتلال الاسرائيلي.
كما ذكر لنا الشاهد "بسام بلبل" بان الاحتلال الاسرائيلي اجبر النساء على رمي ذهبهم على الارض وكان يمنعهن من التقاطه في حالة السقوط والا تعرضن للقتل وذكر أيضا أننا كنا بأنفسنا نمشي عليه حتى لا نتعرض للقتل او الاعتقال لمجرد وقوفنا.
ثالثا: انتهاكات في اماكن النزوح :
لم يكتفي الاحتلال من ارتكاب جرائم وانتهاكات ضد المرأة سواء قبل النزوح او اثناء عملية النزوح ليلحق بهن اثار الاحتلال والحصار الذي فرض على جموع الشعب الفلسطيني سواء رجال او شيوخ او اطفال وخاصة النساء حيث تعرضن الى القتل والاصابات في الاماكن التي حددها الاحتلال بانها امنة، حيث لم تسلم النساء الفلسطينيات في خيم النزوح من القصف أو من قناص الاحتلال ووصول الشظايا بشكل مباشر، حيث عانت العديد من النساء وهي آمنة في خيم النزوح من الاصابة أو الاستشهاد حيث ذكرت لنا "سوسن ميمة " في إفادة لها أنه بينما كانت جالسة ترعى صغارها في خيمة في صناعة خانيونس تعرضت لإصابة في أوتار يدها بفعل رصاص متفجر أطلقه الاحتلال على المنطقة الذي اصاب مكان النزوح في كلية تدريب خان يونس (صناعة خان يونس).
ومن الاثار الجانبية للحصار والحرب ومن الحرب المعنوية والمادية على النساء حيث تعرضن الى ابشع انواع العنف الصحي كما تعاني النساء الفلسطينيات في ظل الحرب واغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات من غياب مستلزم أساسي لها وهي "الفوط الصحية النسائية" وهي حاجة أساسية من احتياجات المرأة لا غنى غنها، حيث اضطررت بعض النساء إلى تناول حبوب منع الحمل من أجل ايقاف الدورة الشهرية أو تأجيلها في ظل عدم الاستقرار والنزوح المتكرر الأمر الذي يعتبر كارثة على صحتهن الجسدية والنفسية حيث لها اضرار صحية على المستوى البعيد منها، حيث ذكرت لنا مجموعة من النساء في مقابلة شخصية معهن أننا اضطررنا لصنع فوط صحية من قماش قديم كان بحوزتنا حيث ذكرت لنا كل من الشاهدة "سهير أبو نحل" والشاهدة "نيفين أبو نحل" والشاهدة "منى أبو نحل" بانهن اضطررن الى استخدام اقمشة بالية وغير صحية وحفاظات اطفال وتهيئتها بشكل يمكن استخدامها وايضا لم نجدها فعالة. وحسب بعض النساء الشهود اللاتي يعشن في مكان النزوح ونظرا للأوضاع المعيشية المزرية والتي تتمثل في الاكتظاظ السكاني الشديد حيث بلغ عدد النازحين تقريبا خمسون ألف نازح في صناعة خانيونس والتي لا تحتمل لإيواء هذا العدد الكبير من النازحين وسوء توفر الخدمات والمرافق الأساسية، وبالتالي عانت النساء من فقدان الخصوصية كونها أكثر المتضررين من الخصوصية الزوجية والعائلية حسب شهادة السيدة "سهير ابو نحل".
كما تعاني المرأة الفلسطينية حاليا بسبب الحرب غياب هذه المستلزمات الأساسية للحياة الكريمة. فالحمامات إن توفرت تكون قليلة العدد وعامة الاستخدام، والماء النقي شحيح، ولا يوجد بها صرف صحي والكهرباء غير متوفرة. ويسوء الوضع في فصل الشتاء حيث يسيل المطر داخل الخيام التي ّ تفتقر إلى وسائل التدفئة الفعالة. وتؤدي هذه الظروف إلى تفشي الأمراض، وخاصة بين النساء اللواتي يحتجن للمحافظة على صحتهن رعاية وعناية). وحسب شهادة نورهان أبو نحل وهي حامل في شهرها السابع أنها تعرضت لجفاف ونزلات معوية وكادت أن تفقد جنينها لولا تدخل الأطباء. كما أدى الوضع الانساني السيء وانقطاع الوقود والبنزين إلى نقل السيدة لينا أبو عودة أثناء مخاضها وبعد ولادتها عبر عربة حيوان إلى المستشفى حيث ذكرت لنا: "فقدت خصوصيتي في أضعف لحظة قد تكون بها المرأة وكنت أصرخ في الشارع من الألم والجميع شاهدني لأنني لم أستطع تحمل الألم خاصة أن حركة العربة كانت تزيد من ألم الطلق في ظل تكسير الشوارع أيضاً".
ومع كل ما جاء فان النساء تعرضن في هذه الحرب للقتل والاصابات فوفقا الى احصائيات وزارة الصحة الفلسطينية فقد قتل الاحتلال منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023 ما يزيد عن 7100 امرأة في اخر إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية وتؤكد المعلومات لدينا حسب روايات الشهود اعلانات المفقودين أن العدد المعلن من قبل وزارة الصحة أكبر من ذلك بكثير نظرا لوجود عدد كبير منهن تحت الأنقاض ومفقودين غير معروف مصيرهم، ووصلت نسبة الشهداء والجرحى والمفقودين من النساء إلى 4% من سكان قطاع غزة
كما عانت النساء الفلسطينيات في ظل هذه الحرب من الاعتقال التعسفي والايقاف في طريق النزوح حيث تم توثيق اعتقال أكثر من خمسين امرأة من قطاع غزة من ضمنهم مسنات ورضيعات وحسب ما وصل من شهادات فأنهن يتعرضن إلى التنكيل وسوء المعاملة في ظل تعتيم كامل عن مصيرهن من قبل الاحتلال.
واخيرا تعرضت المرأة الفلسطينية، وعلى مدى عقود، لهجوم متعدد الطبقات من التمييز والعنف الفظيع الممنهج بسبب الاحتلال الاسرائيلي والحرمان من حق تقرير المصير.
ان الاعتداء على كرامة النساء الفلسطينيات وحقوقهن اتخذ ابعاد جديدة ومرعبة منذ 7 اكتوبر حيث اصبحت الالاف منهن ضحايا لجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية، النساء في هذا الصراع ينتمين الى جميع مناحي الحياة ومن بينهن صحفيات وعاملات في الطواقم الطبية وموظفات في الامم المتحدة وعضوات في منظمات المجتمع المدني.
ان الوضع الذي تواجهه النساء والفتيات العالقات في الصراع يتجاوز الكارثة وايضاً نقص الغذاء والماء ومستلزمات النظافة في جميع انحاء غزة وخصوصا في اماكن النزوح يخلق عوامل خطر للنساء والفتيات، فيما تعرض الضربات والعمليات العسكرية حياتهن للخطر.
هناك حاجة ماسة الى مزيد من المساعدات في غزة لإنقاذ الارواح ووقف سيل المعاناة الانسانية.
ان الوصول دون عوائق للعاملين في المجال الانساني والامدادات بما في ذلك خدمات الصحة الجنية والانجابية هو مسالة حياة او موت بالنسبة للفتيات والنساء فالعنف الانجابي الذي تمارسه اسرائيل على النساء الفلسطينيات والاطفال حديثي الولادة والرضع يمكن وصفه بانه انتهاك لحق الانسان في الحياة بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وباعتباره عمل ابادة جماعية بموجب المادة 2 من اتفاقية منع الابادة الجماعية وعدة مواد اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة وايضا المادة 6 من نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية بما في ذلك فرض تدابير تهدف الى حماية النساء من ويلات الحروب.
