شهادة المواطنة آلاء عوض خالد المغربي (32عاما).  غرب مدينة غزة – معسكر جباليا
19 فبراير 2024

ألاء عوض خالد المغربي (32عاما).  غرب مدينة غزة – معسكر جباليا – بجوار قهوة غبن.

الحالة الاجتماعية/ متزوجة.

عدد أفراد الأسرة/ 6أفراد، 1ذكور، و1اناث، 4أطفال.

أنا المواطنة آلاء عوض خالد المغربي (32 عام) افيد أنه في صباح يوم السبت الموافق 7/10/2023، بينما كنت في المنزل برفقة زوجي أوطفالي الأربعة، علما بأننا نسكن في منزلنا الكائن في معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، فقمت في الصباح باستيقاظ ابنتي ريماس علما بأنها تدرس في مرحلة الثانوية للذهاب للمدرسة فذهبت هي وأنا رجعت للنوم، فجأنا بسماع صوت صواريخ تملأ الأرجاء كلها، فتحضرنا لأجواء الحرب والصواريخ التي لا تكاد أن تختفي سنوات في غزة، ففي كل سنة وشهر هناك قصف ودمار وشهداء في غزة، فعشنا الأيام الأولى للحرب وسط الخوف الشديد الناجمة عن الاستهدافات والقصف الذي كان يطال كل مكان، وكانت بنتي جنة ويبلغ عمرها(6سنوات) فكانت تطلب مني أن نقوم بتغطية أنفسنا بالكامل بالحرام (غطاء النوم) لنحمي أنفسنا من الصواريخ والاستهدافات، وبدأ من بعد ذلك بسماع أصوات الانفجارات وأصبحت تقترب منا شيئا فشيئا، فبدأت بعض مناطق غزة  ووشمال غزة بالاخلاء والنزوح إلى جنوب وادي غزة وكنا نشاهدهم وهم ينزحون وشاهدنا بعض الجيران وقد أخلت بيوتها فبقينا برفقة بعض الجيران والأقارب في الحارة لعدم وجود مأوى أمن في غزة، لايوجد مكان أمن في غزة؟ نذهب للجنوب ليتم قتلنا هناك.؟ وأين نسكن وكيف نعيش .؟ وسط كل هذه الأسئلة والتساؤلات قررنا البقاء بمنزلنا، فعشنا في ظروف معيشية غاية في القسوة والمعاناة وسط قطع الكهرباء والماء وارسال الجوالات وقطع خدمات الانترنت، وفي اليوم التاسع للحرب على غزة توفيت جدتي( والدة أمي) فذهبت إلى منزل أهلي لأواسي أمي وقد بقينا في منزل أهلي برفقة زوجي وأطفالي، وفي صباح يوم 20/10/2023 قام والدي باحضاء بعض علب الفاصولياء وذلك لطبخها فقمنا بطبخها وطلبت مني والدتي صحن رز صغير لتناوله أثناء ذلك كله أتى صوت افنجار قوي وعنيف فاهتز كل أرجاء المنزل وسط سحابة دخان سوداء فأصبحنا لا نرى بعضنا البعض، شعرت بصوت الانفجار وكأنه قسم رأسي من شدته فكان شديد الانفجار ولحظة القصف كانوا بناتي الثلاثة على باب المنزل ولا أعرف مصيرهم، فنزلت أركض وسط الدخان الأسود وكان سريع الانتشار أشبه بغيمة سوداء اللون ملأت المكان وأصبحنا لا نرى بعضنا البعض داخل المنزل والركام الذي انتشر في كل مكان وسقوط بعض الأجزاء من المنزل وتهشم زجاج النوافذ بالكامل في المنزل  مسرعة لا أعرف مصيرهم وأصبحت أنادي بكل حرقة وصوت عالي منة ريماس جنة (أسماء أطفالي) حدا يرد عليا حد يحكيلي أنو عايشة وركضت في محيط المنزل وكان القصف لمنزل جارنا المجاور لنا من عائلة أبو الخير، فشاهدت بنتي ريماس وقد سقط عليها عامود باطون وبعض الركام على باب المنزل فحضر بعض الشباب وقاموا بنقلها إلى مستشفى الشفاء، وجاءت منة بعد ذلك لأطئمن بأنها بخير، وصرت أنادي على جنة حبيبتي بنتي أين مصيرها، فجاء عمي ليخبرني بأنه تم نقلها لمستشفى الشفاء ولقد أصيبت إصابة خطيرة، ذهبت بعدها مسرعة برفقة والدي إلى مستشفى الشفاء لأطمئن على حالة بناتي المصابتان، فكانت جنة مصابة بجروح خطيرة حيث تم انفجار الطحال والأمعاء داخل جسمها، وقم تم استئصال جزء كبير من الأمعاء والطحال، وكانت اصابة بنتي ريماس مصابة أصابة متوسطة بالرأس بكسر بالجمجمة والعين بشظايا، وقد قاموا بوضعهم بممر القسم بعدم وجود أسرة كافية داخل مستشفى الشفاء، وبتاريخ 2/11/2023، تفاجأت بأن والدي قام باحضار بناتي منة ووصال إلى مستشفى الشفاء وذلك بسبب أنه يريد النزوج إلى منطقة جنوب وداي غزة، بسب خطورة الوضع وبسبب القصف العنيف وتقدم الدبابات إلى مناطق كثيرة داخل غزة، فقد توجهت أمي وبرفقة أشقائي إلى جنوب غزة وقد مروا عبر حاجز جيش الاحتلال وقد وصلوا إلى مدينة حمد بمدينة خانيونس، وبقي والدي وبرفقة زوجته الثانية في مستشفى الشفاء للاطمئنان على صحة ابنتي جنة لأنها مازالت حالتها خطرة، فناموا لدينا الله وقد اطمئنوا علينا على أين يقوموا بالنزوح في اليوم التالي إلى جنوب غزة، وفي صباح يوم 3/11/2023، قمت بتوديع زوجة أبي وعاد أبي إلى معسكر الشاطئ ليقنع بقية أعمامي بضرورة النزوح إلى جنوب قطاع غزة،وقد قرروا النزوح جميعا في ذلك اليوم وبدأ يحضرون أغراضهم وأمتعتهم للرحيل، وقمت بالاتصال بزوجة أبي للاطئمنان عليه وذلك عند حدود الساعة12:30فأخبرتني بأنهم بخير وأنهم بالطريق من غرب غزة إلى جنوب قطاع غزة، وبعد نصف ساعة انقطع أي اتصال مع أبي وزوجته وبقية أعمامي، وعند الساعة 15:30 اتصل عليا أخي وأخبرني بأن أفراد عائلتي مفقودين ولا يستطيع أحد التواصل معهم أو معرفة مصيرهم أو أين هم؟ وبسبب وجودي داخل مستشفى الشفاء فطلب مني أن أتفقد ثلاجات الشهداء لمعرفة مصيرهم، فنزلت من قسم الجراحات التخصصي لأبحث عنهم داخل الثلاجات وداخل أقسام الطوارئ، فلم أجد لأي أحد منهم أثرا، وقمنا بالتواصل على الفور مع هيئة الصليب الأحمر لمعرفة مصيرهم، فقام بابلاغنا بأنه لا يستطيع معرفة شيئ عنهم وأنهم لا يستطيعون التجول بالطرقات، وفي صباح اليوم التالي، قد استقل سلفي أحمد وابن عمتي خالد عربة يجرها حصان وقاموا بالمحاولة للوصول إلى شارع الرشيد منطقة البيدر لمعرفة مصيرهم وتفقد أحوالهم، إلا وأنهم وأثناء وجودهم بالطريق بمحيط دوار أبو مازن تم اطلاق صاروخ فسقط بجوارهم ولم تقع بهم اصابات وقاموا بالعودةإلى مستشفى الشفاء، وقد مكث ابن عمتي خالد أربعة أيام داخل أسوار مستشفى الشفاء لنتظر معرفة مصير أهلي وانتظار أي سيارات اسعاف ولكن للأسف لم يأتي أحد إلى داخل مستشفى الشفاء، وبتاريخ 9/11/2023، وأثناء وجود ابن عمتي خالد في منزله وقام بتناول طعام الغذاء ليأتي إلى مستشفى الشفاء، وأثناء وصوله إلى مفترق طموس (شارع النصر) قام قناص من جيش ألاحتلال بقنصه في رقبته مما أدى لاستشهاده على الفور، وقد جاء صديق خالد إلى القسم وقام بابلاغي باستشهاده، وعلى الفور اتصلت بي شقيقة خالد وطلبت مني أن أتأكد من استشهاده فنزلت إلى ثلاجة الشهدا، وهي عبارة عن ثلاجة أسكيمو موضوعة في ساحة المستشفى فقمت بالبحث بها فوجدته وتأكدت من استشهاده، لأبلغ عمتي بذلك،وكنت أشاهد أيضا جثث الشهداء التي كانت تتوافد إلى ساحة المستشفى بشكل مستمر ولا يتوقف في كل لحظة هناك شهداء كانوا يصلون، وكان الكثير من الجثث متفحمة وبعضها متحلل أجزاء منها، فكانت مشاهد قاسية ولا تنسى ولن تمسح من مخيلتي،وفي صباح يوم الجمعة الموافق10/11/2023، اقتربت دبابات جيش الاحتلال بشكل كبير من ساحة مستشفى الشفاء وسط اطلاق نار عنيف وعشوائي، فكنت أرى وأشاهد تلك الدبابات وهي تتقدم من باب رشاد الشواء وحلويات أبو السعود حيث كنت بمبنى الجراحات بالطابق الثالث، مما أدى إلى خلق جالة من الخوف الشديد لدى المرضى والجرحى وألاف النازحين داخل أسوار المستشفى، فشاهدت حالة نزوح جماعية لألاف النازحون وهي تغادر مسرعة ساحة المستشفى وسط اطلاق نار عنيف، فنزلت إلى ساحة المستشفى وذلك عند الساعة 16:30 فوجدتها شبه فارغة باستثناء بعض النازحين والمرضى والجرحى داخل أقسام المستشفى بالاضافة إلى الكادر الطبي، وفي صباح اليوم التالي اقتربت الدبابات وأصبحت لا تبعد شيئا عن أسوار المستشفى وكنا نسمع صوتهم بشكل واضح وكبير، مما دفع بقية النازحين إلى المغادرة وسط رفع رايات بيضاء اللون، وتم وضع خط سير للنازحون فكانوا يتجهون باتجاه شارع الوحدة ليكملوا مسيرهم من بعد ذلك فكانوا يمرون المواطنين ما بين الدبابات وكان جزء منهم يتعرض للاعتقال أو القتل وكنت أشاهد كل ذلك من نافذة القسم الذي كنت أتواجد به، وأي مواطن يحاول اقتياد شارع أخر غير شارع الوحدة كان يتم قنصه مباشرة ولا أحد كان يعلم عن مكان وتواجد قناصات جيش الاحتلال، وكان في طيلة الفترة الماضية زوجي يرافقني مع بقية أطفالي وأمام هذا الوضع الخطيرمما دفع زوجي للمغادرة مع بقية المغادرين مما أدى لبقائي برفقة بناتي لوحدي لأعيش أقسى وأصعب لحظات حياتي، بعد ذلك جاء بعض من الكادر الطبي والمممرضون بالاضافة إلى الأطباء قاموا بمحاولة تخفيف الأمر علينا وطلبوا منا الهدوء والبقاء داخل المستشفى وقالوا بأنهم معنا ولن يتركون المرضى تحت أي ظرف، وقد قطعت الاتصالات بشكل كامل ولم تكن هناك أي وسيلة اتصال مع العالم الخارجي، وكانوا بقية أفراد عائلتي قلقون جدا عليا، وكان المصابون يحيطون بالمستشفى وهناك بعض جثث الشهداء ولا يستطيع أحد الوصول اليهم، وكانت سيارات الاسعافات متوقفة داخل باحات وساحات المستشفى لأن كل من كان يتحرك داخل المستشفى يتم قتله وقنصه، وفي صباح يوم 13/11/2023، بدأت قوات جيش الاحتلال بالاقتحام الفعلي للمستشفى وبدأت دخول الدبابات إلى ساحة المستشفى، وحضر عدد من الكادر الطبي وقاموا بابلاغنا باقتحام جيش الاحتلال للمستشفى وطلبوا منا تجهيز وهوياتنا والتعامل بكل هدوء مع الموقف، وطلبوا أن نأخذ حزرنا داخل الأقسام، وأن لا نخاف وأننا سوف نكون بخير، فاقتحم جيش الاحتلال الطابق الأرضي داخل مبنى الجراحات، وأنا كنت أمكث في المبنى ذاته في الطابق الثالث، وكنا خلص في مرحلة انتظار حضورهم ومرحلة معرفة مصيرنا بعد ذلك، وكان هناك أصوات تكسير وتخريب في كل مكان، وقد وضع جيش الاحتلال خيمة كبيرة وكانت مليئة بالجنود عند الباب الخلفي لمستشفى الشفاء، وكانوا يطلقون النار بشكل عشوائي وقد اصابات بعض الرصاصات الطابق الثالث قسم جراحة الأطفال الذي اتواجد به ولكن دون اصابات، ومع خوفنا الشديد أصبحننا ننام داخل ممرات الغرف والأقسام ، وقد قاموا بتكسير وتخريب الطابق الأرضي بالكامل وسط تفكيك ألواح وسقوف الفورسيلنك، وعمل بعض الفتوحات بالجدران وتخريب الخزنات ومكاتب الادارية فكان الخراب والدمار في كل مكان في الطابق الأرضي، فقاموا باعتقال عشرات الشبان ما بين الطواقم الصحية والنازحون وقاموا بتعريتهم بشكل كامل باستثناء الملابس الداخلية(البوكسر)، وقاموا بوضعهم في ساحة المستشفى وقاموا بسحلهم وضربهم والتحقيق معهم عند أماكن وجود الأسرى وأماكن وجود الأنفاق داخل مستشفى الشفاء.

وسط تلك الأحداث ووسط خوفنا على مصيري ومصير بناتي المجهول داخل باحات مستشفى الشفاء ووجود جنود جيش الاحتلال، لازلت لا أعرف عن مصير والدي وبقية أفراد عائلتي الذين تم فقدانهم أثناء نزوجهم إلى جنوب غزة، وقبل دخول واقتحام جيش الاحتلال لمستشفى الشفاء قد شاهدت مشاهد دفن عشرات الشهداء في ساحة مستشفى الشفاء لعدم المقدرة على توفير مقابر للشهداء وسط انعدام القدرة على اخراج جثامين الشهداء خارج أسوار المستشفى بسبب حصار جيش الاحتلال للمستشفى واغلاق كافة الطرق المؤدية للمستشفى فكنت أرى كل ذلك بعيني، وبقيت عشرات الجثث دون دفن حيث حال اقتحام الجيش للمستشفى القدرة على دفنهم، فبقيت جثثهم ملقاء في ساحة المستشفى أو في ثلاجات الموتى، وبعد ثلاث أيام من اقتحام جيش الاحتلال للشفاء انعدم الأكل والشرب داخل باحات المستشفى، وأصبحنا نشرب المياه عبارة عن قطرات ماء أقطرها لبناتي لأصبرهم ولا نعلم متى سنوفر المياه، وقاموا أيضا بفصل الكهرباء عن أجزاء كبيرة من المباني والأقسام حيث تم قطع الكهرباء في القسم ومبنى الجراحات الذي أتواجد به، وكنت على مدار الأيام أشاهد من نافذة القسم مشاهد لتجريف الشوارع والطرقات وكنت أشاهد الدبابات وهي تقوم بتحطيم السيارات التي كانت تقف بجانب الطرقات فكانت تسير الدبابة بكاملها عليها ويتم تسوية السيارات بالأرض، وكنت أشاهد أيضا ألسنة الدخان والنار تتصاعد من أكثر من مبنى ومنزل مجاور للمستشفى، فكان جيش الاحتلال يقوم باحراق المنازل والمنشأت التجارية، وبقيي فقط مبنى واحد تصله الكهرباء ألا وهو مبنى العمليات حيث تم نقل الأطفال الخدش اليه، وعند الساعة 8:00 من صباج يوم 18/11/2023، حضر بعض من كوادر الطواقم الطبية فقاموا باخبرانا بأنه وبأوامر من جيش الاحتلال يجب علينا افراغ مبنى الجراحات التخصصي بشكل كامل، استقبلنا الخبر بصدمة كبيرة وسط صيحات من المرضى والجرحى والمرافقين، كيف ستم اخلائنا أين سنتلقى العلاج.؟ وكيف سيتم نقلنا.؟ وإلى أين سنذهب.؟ كانت التساؤلات تطرح بكل غرف القسم، فوقفت أنظر إلى ابنتي جنة وهي مصابة وبحالة خطرة، كيف سأتعامل معها وكيف سأقوم بحملها وإلى أين سأنقلها .؟ وبعد نقاشات كبيرة بدأ بعد الجرحى والمرضى بالنزول إلى ساحة وباحة مستشفى الشفاء فكانت معنا حالات خطرة فكانوا يتم وضعهم على كراسي متحركة ويتم حملهم ونقلهم من جميع الطوابق إلى الساحة حملا وذلك لعدم توفر خدمة المصعد نتيجة انقطاع الكهرباء، فكانت المشاهد أقسى من مشاهد الشهداء، في هذه اللحظة تمنيت أن أموت برفقة بناتي ولا أنتظر مصيري وطريقة نقلي، وعند الساعة 9:00 نزل كل من في المبنى من مرافقين وجرحى ومرضى وبرفقتهم بناتي الأربعة فقمت بانزال بنتي جنة عبر كرسي متحرك إلى باحة المستشفى، وقاموا بتجميعنا جميعا داخل الساحة وسط تواجد كبير لجنود جيش الاحتلال حولنا، وتم المناداة علينا عبر مكبرات الصوت، بضرورة حمل هوياتنا والتجهز للخروج من بوابة المستشفى، بعد ذلك وعند الساعة 9:30 صباحا أعطى الضابط التعليمات لنا بالخروج من ساحة المستشفى وكان الظابط يقف أسفل مسجد البورنو الواقع بمقابل مستشفى الشفاء، وأعطانا خط سير لنا لنسلكه في سيرنا وهو شارع الوحدة، فخرجت برفقة بناتي الأربعة وكانتا اثنتان مصابتان، فخرجنا بأوضاع مأساوية فكان مشهد المرضى والجرحى مأساوي جدا وبدأنا بالسير وكنت ادفع بنتي جنة وهي على كرسي متحرك وبقية بناتي بجواري فخرجنا مشيا على الأقدام وتوجهنا باتجاه مفترق الشجاعية، وأثناء سيرنا كان جنود جيش الاحتلال والدبابات تملأ الشوارع كلها وكان الخطر يحدق بنا من كل مكان وشارع، وكنا جدا متعبين أثناء مشينا لعدم وجود ماء أو طعام، والشوارع كانت عبارة عن سواد وشوارع أشباح لا مشهد بها سوى الدمار والسواد وكانوا جثث الشهداء تملأ الشوارع جميعها، وعند وصولي إلى مفترق الشجاعية، جلست على حافة الطريق أفكر كيف سأصل إلى جنوب قطاع غزة، فكان الموضوع جدا صعب عليا أن أمشي برفقة بناتي المصابات، فوجدت عربة يجرها حمار، فاتخذت القرار أن انتقل إلى منزل عمتي في شارع النفق، وأحضر بعض الناس لي غطائين(حرامين) قمنا بوضعهما على العربة وجعلت بنتي جنة تستلقي على ظهرها وقام بنقلنا إلى شارع النفق ووصلنا منزل عمتي وهي والدة خالد الذي استشهد، فوصلت هناك وقد نمنا الليلة، وفي صباح يوم19/ 11/2023، وبسبب شدة القصف والانفجارات وانتشار جيش الاحتلال التي أصبحت بكافة الشوارع والطرقات، قررت النزوح برفقة عمتي وبنات عمتي باتجاه جنوب غزة، فخرجت عمي ومكثت أكثر من ساعتين في الشارع وسط أصوات القصف العنيف وصوت مدافع الرشاشات من أجل توفير وسيلة نقل لنقلنا، فاستطاعت العثور على عربة يجرها حصان وليس هناك أي بدائل وكانت قيمة وأجار النقل مرتفعة جدا تقريبا 150 دولار لايصالنا إلى دوار الكويت، فجمعنا بعضنا البعض واستقلينا العربة وانطلقت معنا باتجاه دوار الكويت، ولا استطيع وصف الطريق ووصف المشاهد التي كنا نراها ووصف حجم الدمار الذي حل بالمباني والطرقات فكانت الحياة عبارة عن كومة حجار ولا يوجد معالم للمباني والمساكن حيث تم تسويتها بالأرض ولم نقابل أي أحد من السكان إلا سوى بعض السكان الذي كنا نقابله فقط في الطرقات هي جثث الشهداء التي كان بعضها متحلل والبعض الأخر متفحم بسبب شدة القصف ووجدنا الكثير من القطط والكلاب تنهش وتتغذى على بعض الجثث الملقاة في الشوارع وسط منع جيش الاحتلال لأي محاولات لدفنهم أو اخراجهم من الشوارع فكان كل من يمشي عرضة للقصف والاستهداف، وكنتا نتشاهد طيلة الطريق وكنا نتلي بعض أيات القرأن لتحرسنا لحين وصلولنا بالسلامة، فتوقف بنا العربة عند دوار الكويت لنكمل طريقنا سيرا ومشيا على الأقدام لحين وصولنا إلى حاجز نتساريم حيث وجود حاجز جيش الاحتلال وما يسميه الممر الأمن، الذي لا يتواجد به أي أمان بالعكس كان عبارة عن حاجز الموت والضياع والفقدان لكثرة حالات الاعتقال التي شاهدنا عبر الحاجز، فعند وصولنا إلى الحاجز حيث أننا كنا نضع الكمامات على وجوهنا بسبب رائحة البارود المنتشرة في كل مكان فتم الطلب منا عبر مكبرات الصوت بضرورة خلع الكمامات وضرورة رفع هواياتنا بايدينا وكذا مرة يتم الطلب منا السير ثم التوقف السير ثم التوقف فكانوا يلعبون معنا لعبة حركة صنم حركة صنم من كثرة الأوامر، فكانوا ينادون على بعض الأشخاص بلون ملابسهم وضرورة تسليم أنفسهم خلف الحاجز فكانت حالات اعتقال كثيرة، وبقينا حوالي ثلاث ساعات لمرورنا الحاجز، وبعد أن مررنا من الحاجز استقلنا عربة يجرها حمار وقام بايصلنا إلى مفترق المغازي، فجلسنا على حافة الطريق نتشاهد ونشكر الله على مرورنا بالسلامة عبر الحاجز، ومن ثم وبعد انا استرحنا قليلا توجهنا إلى مدرسة عبدالله أبو ستة بمدينة خانيونس بجوار جامعة الأقصى، ومكثنا فترة هناك إلى حين تم ابلاغنا بضرورة التوجه إلى مدينة رفح، وأثناء مكوثينا في المدرسة، عشنا في ظروف غاية في القسوة والصعوبة بسبب اكتظاظ المدرسة بالنازحون فلم يكون لدينا أي مكان للنوم به فنمنا الليلة الأولى في ممر خاص بالصفوف فنمنا على الأرض واستطعت أن أوفر غطائين لبناتي المصابات ليناموا عليهم، ومن ثم بعد يومين استطعنا عمل خيمة بدائية جدا ومساحتها صغيرة جدا وبمساعدة أهل الخير لنستر أنفسنا في الليل والنهار، وأثناء وجودنا في المدرسة وأثناء أيام الهدنة التي تم ابرامها وجدنا فيديو منتشر عبر صفحات الفيس بوك لمشاهد جثث ملقاة على الأرض بجوار سيارة أجرة وكان المكان بالقرب من صالة البيدر وأثناء تدقيقي بالفيديو اتضحت أن الجثث تعود لأهلي لأبي وزوجته ولأعمامي الذين كانوا مفقودين طيلة الفترة السابقة ولا نعلم شيئا عنهم، فاتضح ذلك من وجود كرت التموين بجيبة والدي حيث ظهر بالفيديو اسمه واسم بقية أفراد عائلتي لنتأكد بأن تلك الجثث تعود لعائلتي، وللأسف للأن لم يستطع أحد الوصول إلى جثث الشهداء أو دفنهم، وبقيت ملقاة على الأرض لتواجه مصيرها سواء بالتحلل أو أي طرق أخرى، فكانت مشاهد قاسية وصادمة وأنا أشاهد جثث أفراد عائلتي وهي ملقاة على الأرض، فكنا يوميا ننتظر مكالمة من أبي ليطمئننا عن أحوالهم، وكانت الصدمة مقطع فيديو مكون من 17 ثانية يلخص لنا الحكاية ويحمل بطياته الخبر اليقين الذي انتظرناه الكثير الكثير، ولكن صدمت صدمة كبيرة باستشهادهم، وبعد تحذيرنا لأكثر من مرة بضرورة الاخلاء إلى مدينة رفح، فقمت برفقة بناتي وعمتي وبناتها بالنزوح ونأمل بأن يكون الأخير إلى مدينة رفح، ومنزحنا بمنطقة مسجد العطار غرب مدينة رفح، وقمنا بعمل خيمة صغيرة وللأن نعيش بها وسط أوضاع غاية في الصعوبة حيث لا يوجد حمام ونستخدم جردل أسود اللون معلق بحبل لقضاء حاجاتنا وسط شح كبير في المواد الغذائية ولا نستطيع توفير الطعام والشراب بشكل كافي ليكفينا جميعا، وسط غلاء فاحش في الأسعار.

 

 

 

موثق الافادة/

حازم أحمد المدهون